سورة يس - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يس)


        


{قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (17)}
وقوله: {رَبُّنَا يَعْلَمُ} جار مجرى القسم في التوكيد، وكذلك قولهم: شهد الله، وعلم الله. وإنما حسن منهم هذا الجواب الوارد على طريق التوكيد والتحقيق مع قولهم: {وَمَا عَلَيْنآ إِلاَّ البلاغ المبين (17)} أي الظاهر المكشوف بالآيات الشاهدة لصحته؛ وإلا فلو قال المدعي: والله إني لصادق فيما أدعي ولم يحضر البينة كان قبيحاً.


{قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19)}
{تَطَيَّرْنَا بِكُمْ} تشاءمنا بكم، وذلك أنهم كرهوا دينهم ونفرت منهم نفوسهم، وعادة الجهال أن يتيمنوا بكل شيء مالوا إليه واشتهوه وآثروه وقبلته طباعهم، ويتشاءموا بما نفروا عنه وكرهوه، فإن أصابهم نعمة أو بلاء قالوا ببركة هذا وبشؤم هذا، كما حكى الله عن القبط: {وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بموسى وَمَن مَّعَهُ} [الأعراف: 131].
وعن مشركي مكة: {وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ يَقُولُواْ هذه مِنْ عِندِكَ} [النساء: 78]. وقيل: حبس عنهم القطر فقالوا ذلك.
وعن قتادة: إن أصابنا شيء كان من أجلكم {وطائركم معكم} وقرئ: {طيركم} أي سبب شؤمكم معكم وهو كفرهم، أو أسباب شؤمكم معكم، وهي كفرهم ومعاصيهم.
وقرأ الحسن {أطيركم} أي تطيركم. وقرئ: {أئن ذكرتم} بمهزة الاستفهام وحرف الشرط. و(ءائن) بألف بينهما، بمعنى: أتطيرون إن ذكرتم؟ وقرئ: {أأن ذكرتم} بهمزة الاستفهام وأن الناصبة، يعني: أتطيرتم لأن ذكرتم؟ وقرئ: أن، وإن بغير استفهام لمعنى الإخبار، أي تطيرتم لأن ذكرتم، أو إن ذكرتم تطيرتم. وقرئ: {أين ذكرتم}: على التخفيف، أي شؤمكم معكم حيث جرى ذكركم، وإذا شئم المكان بذكرهم كان بحلولهم فيه أشأم {بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ} في العصيان: ومن ثم أتاكم الشؤم، لا من قبل رسل الله وتذكيرهم، أو بل أنتم قوم مسرفون في ضلالكم متمادون في غيكم، حيث تتشاءمون بمن يجب التبرك به من رسل الله.


{وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (23) إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) إِنِّي آَمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25)}
{رَجُلٌ يسعى} هو حبيب بن إسرائيل النجار، وكان ينحت الأصنام، وهو ممن آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم، وبينهما ستمائة سنة كما آمن به تبع الأكبر وورقة بن نوفل وغيرهما، ولم يؤمن من بنبي أحدَ إلا بعد ظهوره. وقيل: كان في غار يعبد الله، فلما بلغه خبر الرسل أتاهم وأظهر دينه وقاول الكفرةَ، فقالوا: أو أنت تخالف ديننا، فوثبوا عليه فقتلوه. وقيل: توطئوه بأرجلهم حتى خرج قصبه من دبره. وقيل: رجموه وهو يقول: اللهمّ اهد قومي؛ وقبره في سوق أنطاكية، فلما قتل غضب الله عليهم فأهلكوا بصيحة جبريل عليه السلام.
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سُبّاق الأمم ثلاثة: لم يكفروا بالله طرفة عين: علي بن أبي طالب، وصاحب ياس، ومؤمن آل فرعون»، {مَن لاَّ يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُم مُّهْتَدُونَ} كلمة جامعة في الترغيب فيهم، أي: لا تخسرون معهم شيئاً من ديناكم وتربحون صحة دينكم فينتظم لكم خير الدنيا وخير الآخرة، ثم أبرز الكلام في معرض المناصحة لنفسه وهو يريد مناصحتهم ليتلطف بهم ويداريهم، ولأنه أدخل في إمحاض النصح حيث لا يريد لهم إلا ما يريد لروحه، ولقد وضع قوله: {وَمَا لِىَ لآ أَعْبُدُ الذى فَطَرَنِى} مكان قوله: وما لكم لا تعبدون الذي فطركم. ألا ترى إلى قوله: {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} ولولا أنه قصد ذلك لقال: الذي فطرني وإليه أرجع، وقد ساقه ذلك المساق إلى أن قال: {ءَامَنتُ بِرَبّكُمْ فاسمعون} يريد فاسمعوا قولي وأطيعوني، فقد نبهتكم على الصحيح الذي لا معدل عنه: أنّ العبادة لا تصحّ إلاّ لمن منه مبتدؤكم وإليه مرجعكم، وما أدفع العقول وأنكرها لأن تستحبوا على عبادته عبادة أشياء إن أرادكم هو بضرّ وشفع لكم هؤلاء لم تنفع شفاعتهم ولم يمكنوا من أن يكونوا شفعاء عنده؛ ولم يقدروا على إنقاذكم منه بوجه من الوجوه، إنكم في هذا الاستحباب لواقعون في ضلال ظاهر بين لا يخفى على ذي عقل وتمييز. وقيل: لما نصح قومه أخذوا يرجمونه فأسرع نحو الرسل قبل أن يقتل، فقال لهم: {إنى ءَامَنتُ بِرَبِّكُمْ فاسمعون (25)} أي اسمعوا إيماني تشهدوا لي به. وقرئ: {إن يردني الرحمن بضرّ} بمعنى: أن يوردني ضرّاً، أي يجعلني مورداً للضرّ.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8